الخميس، 26 يناير 2012

رجل الساعة


قلب الصفحة الأولى بعناية عله يريد أن يترك علامة ما أو لربما هنالك خبر ما أستحوذ تفكيره. أمر طبيعي في وسط حالة من الصراع السياسي الذي أصبح جزئا لا يتجزأ من عالمنا العربي. أما أنا فأخذت أتأمل ملامح وجهه كيف تنفعل و تتغير كلما قرأ خبرا ما. يرتشف حفنة من الشاي كطفل مدلل, تداعب شفتاه سطح الكأس ثم تبتعد عنها. تمر نسمات من الهواء العليل بين الكأس و شفتاه تحرمني متعة تأمل تلك القطرات الندية على حافة الكأس مما أخلفت شفتاه. هاهو اللون الأحمر يلتصق بوجهه مرة أخرى, يسكنه في شحوب. أهو إذا خبر عن سوريا, مصر, ليبيا, أو يا ترى اليمن؟ لا فرق بين أي واحدة منهم الآن فالموت و الضياع أصبحا قاسما مشترك!
هل سأتمكن من رؤية ملامح الفرح مرة أخرى في تلك العينين؟ لازلت أبحث عن طريقة تسعده, تمسح أثر الحزن, تعيد البريق لعينين متعبتين أجهدهما السهر قبل أن ارحل. قبل أن اتركه في يدي أمراه أخرى . قبل أن اكسر قيودي و أتحرر منه!
انه يتمركز في صفحة ما, يضع علامة برأس قلمه على ذلك السطر, يبدو واثقا من نفسه هذه المرة رغم أني عهدته مترددا تائها في الزوايا ما بين عقله و قلبه. كم أنا بارعة في قرأته, فهو ينسى أن يضع شيفرة لقفله في كل مرة أراه فيها. بيد أن يداه لم ترتجفا للحظة أثناء مرور القلم على الورقة هذه المرة. تلك الأخبار المحبطة لم تحرك فيه ساكنا. و لكن لما لا يكون قد اعتاد خيبة الأمل فكل ما يجري في غزة الآن يزيد من نسبة اللاشعور في دمنا.  حتى أننا نكاد أن نبيع منها و نصدر للدول المجاورة. و لما لا يا لها من فكرة  فالشباب الآن يعانون من البطالة و قلة العمل و عدم وجود دخل يزودهم بأبسط مطالب الحياة. أن تعمل في بيع و تصدير اللاشعور للناس و للدول الأخرى أمر مربح للغاية هذه الأيام!
أعتقد انه خبر عن فلسطين. انه خبر يعنيه و يعنيني و يعنينا جميعا. وضع القلم أرضا. ارتطم القلم بالمنضدة و كأنه كتلة من هموم لم تستطع المنضدة أن تستوعبها, كدت أسمع صوتها و هي تصرخ مهلك علي! كدت أرى ملامح صدى ذلك الصوت ترتطم بالحائط المجاور. يا الهي أوصل بنا الحال إلى درجة يعجز فيها حتى القلم أن يعبر عنها. أطفال يقتلون كل يوم شيوخ, و نساء. بيوت تهدم على رؤوس أصحابها و النصف الباقي من شعبي يحلم بأن يلمح شمس الحرية و لو لوهلة!
لا... هاهو يلقي بالجريدة أرضا و أنا التي عهدته صبورا. لم يحتمل ألم بلاده الممزوج بأصوات الدماء. انه يتركها بخجل مزرِ كأم عزباء تترك رضيعها عند أول ملجأ يصادفها. فضول يستوطن عقلي يجبره على الخروج إلى الشارع يحركه كدمية خشبية. أتساءل. ماذا دهاه و لما هذا الشعور بالازدراء؟! يخطو خطوته الأولى مبتعدا عنها و عني و أنا اتبعه بنظري.
رجل الساعة لا احلم بلقائه سوي لحظات ثم تصبح رؤيته مجرد صدفة أو حلم عابر قد استمتعت به حواسي و لو للحظة! لو كنت اعلم بما يخفيه لي القدر, لما نظرت له يوما و لما انتظرت ساعته, رجل الساعة.
بدأت ملامح قامته تختفي و هو يمشي و أنا لا أرى منه سوى ظهره. أكاد اقسم يا الهي أني أحفظ ملامح ظهره بإتقان. يذكرني برسمة أحب رسمها من وقت لآخر. حنظله, آه ما أجملك و كم أنت معبر يا حنظله, لم يعتقد ناجي العلي يوما و هو يخط بك قلمه بأنه يوقع على شهادة وفاته. كم تشبه حالتي و رجل الساعة حالة حنظله و فلسطين. فكما هو رجل الساعة, حنظله ليس إلا رمز استهبال و تجهل و صمت إخوتك يا بلدي رغم علمهم كم أنت بحاجة لهم. نظرت و في عيناي حرقة. و إذ بقطرات ماء مالح تتساقط على وجنتاي أهو دمع أم مجرد سيل من العرق! لم استطع أن احدد أو لربما قد تجاهلت ذلك عمدا ربما لأني لا أريد أن اعترف بالهزيمة.
هو رجل الساعات القليلة المتكبر, المتواضع أحيانا و في أحيانا أخرى أراه شاعرا. هو لم يأخذ تلك الجريدة قط و أنا لم أكن أراقبه و لعلني اختلقت الأمر فقط و لعل تلك المشاعر كانت مجرد خيال في ذهني أو بضع أفكار مفتتة في زوايا دماغي فلكم تمنيت رؤيته جزئا من الساعة. فلأنهي هذه المهزلة إذا و لأضع نهاية لهذه اللعبة. لقد حان فعلا وقت كتابة النهاية لهذه الخاطرة الهزلية. بيد أن وجعي لا ينتهي!