الاثنين، 14 يناير 2013

أن ترى الغيم حولك و تعجز عن لمسه هذا أصعب من أن تحرم من المطر

سقطت ببطئ شديد و مشت بحذر متواضع و كأنها شخص يتجول في أرجاء مدينة مألوفة يحاول العثور على سكن أو مكان للمكوث وسط ملامحها. هاهي إذ تقترب من فمها, دمعة محترقة من عين أدماها الألم. تتوقف بمحاذاة فمها كشخص يتوقف لإلقاء التحية, تصافح الشمس فتقلبها نجمة تشع نوراً. يسكن بعضها السماء و البعض الاخر يبقى متمسكا بآخر الخيوط أملا في أشواك سوداء تغرس في وسط الصحراء. و إذا بيديها تمسحانها بعناية فائقة و تبطلان مشروعاً إستيطانياً لدموع إرهابية فللحياه علينا حق و إذا كانت أوضاع البلاد قد إزدادت سوءاً, فالحياة قد إستجابت لهذا النداء و زادت من تكاليف و أسعار أحلامها. لم تعتد على نيل ما تريد بثمن زهيد و هذا ما يعزيها...
أن ترى الغيم حولك و تعجز عن لمسه هذا أصعب من أن تحرم من المطر, لكن مجرد وجود سراب للغيم يجعل المطر فكرة فحواها الأمل...في المكان حيث تعيش هي و مثيلاتها تبدو كما هو الحال للإبرة في كومة قش, من عساه يراهم أو يعثر عليهم... إلا من خاطر بحرق القش, و هذا ما لا تتوقعه أبداً..
تفتح النافذة بقوة جبارة تبدو غاضبة و يزداد غضبها سوءاً بأصوات السيارات المزعجة و الأدخنة المتصاعدة من أماكن مختلفة.. تبدو البيئة الخضراء في إضمحلال واضح.. كيف فضل بني جنسها الآلات المتحركة على طبيعة الخالق..يزداد انزعاجها..
في السماء تشاهد طائراً يطير من بعيد.. كم يبدو حرا سعيداً يرتدي الشموخ بنظراته يدندن حبا ينثره على العالم أسفله. لا شعور يقارن بالحرية تلك السعادة في عيني الطائر عجزت عن ترجمتها, رغم براعتها.
عندما تسقط الريشة من جناح الطائر تترنح ما بين الأرض و الفضاء... الريشة البيضاء في السماء تتأرجح على الخيوط الذهبية للرياح بيد أنها لا تطأ الأرض بعد.. إنها تستمتع بجولة الحرية بعد أن حرمت منها طوال عمرها أثناء إلتصاقها بالطائر... كم تبدو عليها الراحة و الحرية و هي لا تزال هائمة في الاجواء, لكنها الآن تشتاق ذرات التراب تشتاق الأرض و السلام البني اللون الممزوج بطعم المطر شتاء و أزهار اللوز ربيعا..
مزيج من الألم مع السعادة برؤية ذلك الطائر أثار داخلها شعورا غريباً قاطعه صوت ناعم يخرج من التلفاز يتلو أخبار الأسرى. ذلك الخبر عن أولئك الجائعون المهمشون المكتفون بطعم الأمل تتلوه فتاة أنيقة تضع كماً من مساحيق التجميل تقوم بإعلان لمنتج ما في ردائها !! و إعلان آخر لجراح تجميلي !! ياللأسى!!
 ما اتفهنا نحن البشر !! كم نفتن بالمظاهر و كم بتنا زاهدون في البشرية!!
أعادها مشهد المذيعة لمشهد الطائر هو حر سعيد لا يرتدي زخارفاً و لا جواهراً يرتدي فقط نقاءاً إلهياً.
الشوارع تبدو مزدحمة, الطرق ممتلئة و الناس على عجالة من أمرهم كلٌ يهم لقضاء شئ ما. الدنيا هي مشغلهم الأول على ما يبدو. من عساه يئبه بها من عساه يرى الأبرة بين عيدان القش !!
في المساء مشروع آخر لفرار بعض من الدموع المأسورة داخل مقلتيها. تحاول السيطرة عليهم لكنهم سرعان ما يثورون معلنون إنفصالهم عن حكمها. تنجح الدموع الثائرة في السيطرة على مزاجها كما نجح ثوار مبارك و أزاحوه عن العرش. هكذا تقضي بعضا من المساء متأملة بعض من ماضيها تقارنه بالحاضر فلا تجد أختلافاً... يمضي الوقت ببطئ حين التفكير. يقطع شرايينها واحدً تلو الآخر بسكينٍ بالية... لم يعد يهمها الألم كالسابق فما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ...
تنتفض رفضاً للواقع تزيح أكوام الدموع و ترتدي ردائاً من الزهور الوردية علها تتفتح حتى لو بأحلامها, فللأحلام طعمٌ آخر له لذة الخيال يرغبه الكبار و الصغار...في الأحلام ترتدي شخصية "أليس في بلاد العجائب". كم يبدو هذا رائعاً فبلاد العجائب تعني أن كل شئٍ ممكن الآن... الآن بأمكانها أن تطير, تلاعب سكان الغاب, و تتحدث مع القط في أعلى الشجرة. بأمكانها ان تغير حجمها أو أن تذهب أينما شاءت فهي تحلم... و المذهل في الأمر أن لا أحد يسطيع الأقتراب من حلمها أو حرمانها منه فهمو ملك لها حتى لو لم تستطع ان تعيشه سوى للحظات...