الثلاثاء، 26 مارس 2013

حالة من اللاوعي


   منذ أن قررت أن أتأمل العالم من حولي و أدرس ملكوت الله على أرضه, شعرت ببرودة موجة من الإحباط و الغضب. سلاسل من اللإنسانية تطوق العالم و تتأرجح به نحو الهاوية. قام أحدهم بإشعال فتيل الكراهية  و العنصرية بين أبناء البشرية ليمتد بسرعة فائقة حول كوكب الأرض معلناً ولاية اللون الأسود على كوكبنا الأزرق. للدمار و الخراب شكل و معنى واحد في كل المفاهيم الدنيوية و السماوية. فالخراب مرض طاعونٍ ينتشر شبراً شبراً و قطراً قطراً متغذي على آفات الكره و الحقد البشري. أما بالنسبة للكره و الحقد فيتسلل كلٍ منهم من شقوقٍ صغيرة في جدران أفكارنا. يمتد بالطاقة اللازمة لحركته من نقاط الضعف في شخصية كلٍ منا. أشياء نعيشها يومياً و تعتمد تحركاتنا اليومية عليها.
   كم من حربٍ تلت على هذا الجيل و كم من أوراقٍ تطاريت و كراسات خضبت بدماء الطفولة البريئة. كم من أعلام نكست و أرواحٍ زهقت و كم من شعوب نامت على أمل صباح مشرق لكنها لليوم لم تستيقظ.  في حالة من اللاوعي أجد أن في الموت أمل خفي, أمل في حياة أفضل, أمل في حياة أخرى لكنها حياة نقية كتلك التي أنتظر قدومها.
   في الحقيقة عندما يكون الأمر متعلقاً بالحروب تعجز كلماتي عن الأنسكاب في صفحاتي و لكن بما أنني تورطت في كتابة هذه الخاطرة وجدت قلمي يستقصد إستفزازي علّني أكمل الكتابة. منذ الأزل و الإنسان في صراع, تارةً مع نفسه و تارةً مع الكائنات الأخرى. هذا ما دفعني للتستاؤل هل الإنسان عدواني بالفطرة؟ أم أن الأساس في قلوبنا هو السلم؟ و إذا كان السلم هو فطرتنا فلماذا خلقنا مع كل هذه الصفات و الغرائز المخيفة في داخل كل منا من غيرة و حقد و غيرهم؟!! و هل صحيح أن بداخل كلٍ منا حيوان ينتظر اللحظة حتى يكسر قضبانه و يخرج للعالم معلناً الطغيان؟!!
   لم أستطع ان أجد أجوبة لهذه الأسئلة أو لربما قد تعمدت ألا أجدها لا أعلم ما كان الدافع أهو خوفاً من الحقيقة أو رغبة في البقاء في المجهول, أياً كان السبب فقد كان أقوى مني!
   خوفي من أن أبوح بالحقيقة لنفسي لا يفاجئني بتاتاً. فقد ربيت في وسط مجتمعٍ يعيش و يستنشق المجهول و يفضل البقاء فيه حتى يتجنب لنفسه المشاكل. و أعتقد ان هذا هو السبب لتلك الدوامة العالقة في دماغي منذ دخلت عالم الكبار و أصبحت لدي القدرة على ان أرى العالم بألوانه الحقيقية. منطق غريب هو منطق عالمنا الكبير!
   في بعض الأحيان أشعر بأنني أتجول في داخل دوامة من الضباب لا أعلم كم من الوقت يلزمني للخروج منها رغم كوني على يقينً تام أن لا نهاية لها. . . !!
   لا نهاية لها . . . أعتقد أنني أخيراً وجدت الأجوبة لكل تلك الأسئلة العالقة في ذهني و لكل تلك الوقائع الغريبة عديمة التفسير. . . هكذا أيقنت أنني أعيش حالة من المشاعر اللانهاية لها في عالم على مسافة قريبة من النهاية !
   لايزال بحثي عن النقاء مستمراً, قد لا أجده اليوم و لا غداً لكني على يقينٍ تام أنه موجود في ركنٌ ما هناك في تلك الدائرة ينتظر قدومي. أنا على يقينٍ بأنني سأجد تلك الرقعة البيضاء في مكانٍ ما, حيث المحبة الالهية الفطرية و النقاء.
 


السبت، 9 مارس 2013

في يوم حبٍ روتيني


   ليست ضحكته التي تجتاح أذنها و ترتطم بباب قلبها هي التي أسرتها, بل ذلك السؤال المنسوج على جفون عيناه ما يشعل فتيلاً داخل فكرها. كان للشتاء تأثير خاصاً في ذلك اليوم. كانت سُحبٌ من الدخان تتطاير من فمه فترتطم في وجهها و تصافحه زاويةً تلو الأخرى. أما هي فلا إرادياً كانت الخلايا داخل أنفها ترفض أي ذرات هواءٍ لم تمر داخل جوفه.
    هو منطق غريب كيف لخلاياها أن تدمن كائناً غريباً لم يسبق لها أن قابلته بعد الآن. لم تشعر بالأمطار حولها و عليها و هي تتأمل تضاريس وجه. كم آلمها كبريائه و تعجرفه فهي قد رسمته بريشتها بمنتهى التواضع و النغم. هو أستمر في ملاحقتها بعيناه طارحاً ذات السؤال. و هي استمرت في نسج كنزة من الأفكار لكي تدرك ما كان يقصد.
    للعيون لغة لا يفهمها إلا من يتقنها و هي ليست معتادة على التواصل مع الغرباء عن البعد. رغم أنه يبدو مألوفاً لروحها إلا أن عيناه لا تزال تخفي الكثير. ما كان لها سوى أن تستمر في المشي و ما كان له سوى أن يمشي خلفها متمنياً أن تلتفت هي بدورها.
    هي لا تستمع الآن إلا إلى نبضات قلبها متسألةً حائرةً هل يدق لأنها قد سارعت في خطاها أم لأن كائناً ما خلفها يستحوذ على تلك الدقات في جوفها. هي الآن تحمل خطواتها بثقل كبير, تستمع إلى خطواته, لتُعزف في جوفها سيمفونيةً من الخطى, تارةً قريبة و تارةً أخرى بعيدة.
   هو الآن أيضاً يعيش حالة من الإستغراب. كيف لقلبه أن يلهث خلفها! هي ... من تكن هي؟ كيف لها أن تجتاح كيانه كبحرٍ يُغرق كل من كان أمامه فيبتلعه في جوفه. كيف له أن يبوح بحبه لها و هي من عجزت عن إستيعاب ما لفظته عيناه!
   بالعادة في الحروب ما بين الكبرياء و الحب ينتصر الكبرياء بسهولة عظيمة. يتربع على جبال الندم من أثنين كان مقدرً لهما أن يكونا واحد. في بعض الأحيان يشعر الحب بالشفقة على العاشقين فيعطيهم فرصة أخرى لكن الرجل الشرقي بعادته لا يتراجع بكلمة قد تفوه بها يوماً و لو كان ذلك بغير قصد. فتراجعه عن كلامه يدل على نقص في رجولته!! أو هذا ما توحي به قوانين العالم الذكوري الشرقي!
   والآن هو ينسحب بهدوء و ينتصر الكبرياء. يصفق الحب بسخرية حمقاء. أما هي فتعود لتمشي بالبطئ المعتاد, تغطيها شراشفاً من الإحباط تحجب عنها الرؤية. تتعثر في خطواتها و تسقط أرضاً. تبكي ... فللنساء سلاح دائم الحضور تحمله كلٌ منهن في جعبتها, في بعض الأحيان يكون تصنعاً و في أحيانٍ أخرى يكون خجلاً أما في حالة الألم فيكون هذا السلاح عبارةً عن سيلٍ من الصدق ينهمر من العينين يحرقهما و يملئهما لهباً... الدموع عبارة عن وديانٍ من الألم تنهمر على شكلٍ سائلٍ لا يمكن مقاومتها, قد تكون الإبتسامة في بعض الأحيان مضاداً حيوياً لا بأس به. أما في الأحيان الأخرى تكون محفزاً لجنون من نوعٍ أخر...نوعٌ لا يعرفه إلا من تورمت عيناه ألماً...!
    في حضور الخذلان و الكبرياء و كرثاءٍ للحب تتمتم الغيوم بكائاً: ليت لي قلباً, لكنت أشعلته بالحب لهباً و زرعته بالزهر عطراً. لكنكم يا بني البشر للنعمة غير مقدرون, فتتنهد...أسفاً!!