السبت، 9 مارس 2013

في يوم حبٍ روتيني


   ليست ضحكته التي تجتاح أذنها و ترتطم بباب قلبها هي التي أسرتها, بل ذلك السؤال المنسوج على جفون عيناه ما يشعل فتيلاً داخل فكرها. كان للشتاء تأثير خاصاً في ذلك اليوم. كانت سُحبٌ من الدخان تتطاير من فمه فترتطم في وجهها و تصافحه زاويةً تلو الأخرى. أما هي فلا إرادياً كانت الخلايا داخل أنفها ترفض أي ذرات هواءٍ لم تمر داخل جوفه.
    هو منطق غريب كيف لخلاياها أن تدمن كائناً غريباً لم يسبق لها أن قابلته بعد الآن. لم تشعر بالأمطار حولها و عليها و هي تتأمل تضاريس وجه. كم آلمها كبريائه و تعجرفه فهي قد رسمته بريشتها بمنتهى التواضع و النغم. هو أستمر في ملاحقتها بعيناه طارحاً ذات السؤال. و هي استمرت في نسج كنزة من الأفكار لكي تدرك ما كان يقصد.
    للعيون لغة لا يفهمها إلا من يتقنها و هي ليست معتادة على التواصل مع الغرباء عن البعد. رغم أنه يبدو مألوفاً لروحها إلا أن عيناه لا تزال تخفي الكثير. ما كان لها سوى أن تستمر في المشي و ما كان له سوى أن يمشي خلفها متمنياً أن تلتفت هي بدورها.
    هي لا تستمع الآن إلا إلى نبضات قلبها متسألةً حائرةً هل يدق لأنها قد سارعت في خطاها أم لأن كائناً ما خلفها يستحوذ على تلك الدقات في جوفها. هي الآن تحمل خطواتها بثقل كبير, تستمع إلى خطواته, لتُعزف في جوفها سيمفونيةً من الخطى, تارةً قريبة و تارةً أخرى بعيدة.
   هو الآن أيضاً يعيش حالة من الإستغراب. كيف لقلبه أن يلهث خلفها! هي ... من تكن هي؟ كيف لها أن تجتاح كيانه كبحرٍ يُغرق كل من كان أمامه فيبتلعه في جوفه. كيف له أن يبوح بحبه لها و هي من عجزت عن إستيعاب ما لفظته عيناه!
   بالعادة في الحروب ما بين الكبرياء و الحب ينتصر الكبرياء بسهولة عظيمة. يتربع على جبال الندم من أثنين كان مقدرً لهما أن يكونا واحد. في بعض الأحيان يشعر الحب بالشفقة على العاشقين فيعطيهم فرصة أخرى لكن الرجل الشرقي بعادته لا يتراجع بكلمة قد تفوه بها يوماً و لو كان ذلك بغير قصد. فتراجعه عن كلامه يدل على نقص في رجولته!! أو هذا ما توحي به قوانين العالم الذكوري الشرقي!
   والآن هو ينسحب بهدوء و ينتصر الكبرياء. يصفق الحب بسخرية حمقاء. أما هي فتعود لتمشي بالبطئ المعتاد, تغطيها شراشفاً من الإحباط تحجب عنها الرؤية. تتعثر في خطواتها و تسقط أرضاً. تبكي ... فللنساء سلاح دائم الحضور تحمله كلٌ منهن في جعبتها, في بعض الأحيان يكون تصنعاً و في أحيانٍ أخرى يكون خجلاً أما في حالة الألم فيكون هذا السلاح عبارةً عن سيلٍ من الصدق ينهمر من العينين يحرقهما و يملئهما لهباً... الدموع عبارة عن وديانٍ من الألم تنهمر على شكلٍ سائلٍ لا يمكن مقاومتها, قد تكون الإبتسامة في بعض الأحيان مضاداً حيوياً لا بأس به. أما في الأحيان الأخرى تكون محفزاً لجنون من نوعٍ أخر...نوعٌ لا يعرفه إلا من تورمت عيناه ألماً...!
    في حضور الخذلان و الكبرياء و كرثاءٍ للحب تتمتم الغيوم بكائاً: ليت لي قلباً, لكنت أشعلته بالحب لهباً و زرعته بالزهر عطراً. لكنكم يا بني البشر للنعمة غير مقدرون, فتتنهد...أسفاً!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق